بسؤال موجه للمحامي الاستاذ فؤاد مطر ،عن تعليقه حول ما جرى في الانتخابات البلدية في بيروت اليوم؟
أجاب:
بداية لا بد ان نشير الى نقطة مركزية وهي ان طبيعة المدن وأهلها خاصة العاصمة لها طابع وخصوصيات تختلف عن باقي المناطق والقرى ،ثم لا ننسى ان بيروت تعاني من فقدان المرجعية،وقد مرت على بيروت وابنائها الاهوال والاحداث الاليمة وعوامل خارجية قاهرة خارج عن ارادتها،كلها ادت الى ارتدادات اضعفت من دورها ،وسوف نذكر بإختصار كلي الإتي:
١-منذ الثمانينات لم يتوقف التآمر على دور بيروت التاريخي الوطني،ألم يتم أقصاء صائب سلام الزعيم التقليدي،وينفى كمال شاتيلا بتياره العروبي الواعد،وتضرب المرابطون بقوتها الضاربة بقيادة ابراهيم قليلات،ناهيك عن اغتيال قيادات دينية فذة من صبحي الصالح والشيخ احمد عساف وصولا لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد ،وجميعهم وقفوا بصدورهم العارمة بالايمان والوطنية ضد المشاريع التقسيمية والمذهبية من الادارة المدنية الى المجالس المحلية واستباحة امن بيروت بالفلتان الغاشم.
وما ان انتهت الحرب العبثية حتى وجد البيروتي ان ساحته قد خلت من القيادات التي تمثله ،وباستباحة النظام السوري وادواته مفاتيح بيروت .
لا داعي للاطالة أكثر لان الذاكرة لن تموت .
٢-تأمل الشارع البيروتي بشخص الشيخ رفيق الحريري رحمه الله،ولكن هذه المرحلة شهدت انحسار كبير للمؤسسات البيروتية قاطبة ومازال الانحدار يتعاظم بدل ان يعاد استنهاضها لاسترداد دور بيروت وفاعليتها على صعيد كل الوطن.
لقد ضاقت السبل بجيل الشباب في بيروت مما اضطره للسكن خارج المناطق البيروتية التي ينتمي إليها اجداده وعائلاته ،وبات يشعر بالاغتراب فيها للاسف.
اضف الى ذلك على صعيد الانتخابات فقد تم إجراء تحالفات حزبية غريبة عن نسيجه الاجتماعي ولا تمثله في ظل تقزيم لدور قوى وشخصيات فاعلة،وتسليط الضوء على قوى اخرى نافرة لا تشبه قسمات مدينته وسمات ابنائها.
ان ابناء بيروت ليسوا كما يشاع بأنهم غير عابئين بمصير مدينتهم،انما هم يتطلعون بشغف الى من يساندهم ويعبر عن هويتهم،فلم يتسنى لهم ايجاد فرصة لبناء مؤسسات تنظيمية او الدفع بشخصيات وازنة تستطيع ملء الفراغ،انهم بحاجة لقوى وطنية توحيدية تصبغ بالاعتدال والانفتاح والبصيرة،تعكس شخصيتهم وتعبر عن أوجاعهم وتسعى لتحقيق آمالهم .
ان بيروت لن تطيل في سكونها ،وما شاهدناه اليوم هو بارقة أمل من خلال اصرار البيارتة على التصويت للائحة التي يترأسها العميد محمود الجمل ،والتصويت للمهندس فادي درويش،والتصويت لابنائها المرشحين من آل مجدلاني وآل بخعازي رغم كل الاساليب التي استخدمت للتصويت للون طائفي واحد ،فلن تجدي كل المحاولات المغرضة،ورغم كل الدعم المفتوح للائحة التحالفات الحزبية المقفلة بالمال والعتاد والاعلام .
ان ما حدث اليوم ليس مزاج آني ،بل هو وعي لما كان يخطط له ،وهو موقف يبنى عليه لغد تستعيد بيروت دورها التاريخي بوعي ابنائها .