Aug. 19, 2023, 4:05 p.m.
الكاتب :فؤاد كيالي
النقد بمفهومه العام، هو أحد الوسائل الهادفة إلى التقويم، فالناقد الفني عندما يتناول موضوعاً فنياً (مسرحية، او فيلماً سينمائياً، او أغنية..)، يكون الهدف المفترض تسليط الضوء على نقاط الضعف والقوة في كل نواحي هذا العمل، وغايته من وراء ذلك ان يقدم اضافات الى هذا العمل والقائمين عليه، تساهم في اعلاء شأنه وتخليصه من الثغرات، وبالتالي يفيد المعنيون في اعمالهم اللاحقة.. او هكذا يفترض على الاقل!
لكن هل حافظ النقد الفني على هذا الهدف النبيل، وهل التزم النقاد برسالة النقد؟
من الظواهر اللافتة، انه كلما سُئل فنان او أديب أو كاتب، عن علاقته بالنقد والنقاد وموقفه منهما، ينفعل ويشعر بالضيق، ليس من منطلق كرهه للنقد، وانما من مبدأ انه لم يعد في عالمنا العربي عموماً نقد بناء، وان النقد غالباً ما يكون شخصياً وغير موضوعي.
هذا الكلام فيه كثير من الصحة، خصوصاً في السنوات الاخيرة، في ظل الانتشار الهائل للقنالات التلفزيونية الفضائية والمحطات الاذاعية، والمواقع الالكترونية سواء منها الفنية، او تلك التي تفرد صفحات فنية بين طياتها، على اعتبار انها سياسية او اقتصادية.. هذا الكم الهائل من وسائل الاعلام، استقطب "كمية" هائلة ايضاً من الذين تطوعوا وتجندوا كنقاد!
للوهلة الأولى، يبدو الأمر دليل عافية، لكن متابعة بسيطة لهذا الاسطول من النقاد الفنيين، تظهر بوضوح، ان المسألة اكثر ما تكون بعيدة عن النقد.. إنهم أشخاص استفادوا من المجالات المتاحة، غير متسلحين بأي ثقافة فنية او معلومات. يدردشون ويقولون اي كلام في محاورات غير هادفة مع فنانين، سواء من الكبار او الصغار، لا تراهم يعرفون شيئاً عمن يحاورون، ولا يميزون هذا المطرب من ذاك، ولم يحدث ان سمعوا بهذا المخرج او ذاك.. فيما تمتلىء صفحات المجلات والجرائد والمواقع الاكترونية بالشتائم في حق فلان او علان، تحت زاوية اسمها "نقد"..
ومن المفارقات العجيبة، ان معظم "النقاد"، إذا تناولوا فيلماً او أغنية، او أي عمل فني، فإنهم يفعلون ذلك من دون ان يكونوا قد شاهدوا هذا العمل او سمعوه، وبالتالي فإن ما حرك نزعاتهم النقدية، هو مواقف شخصية من المعنيين، لأسباب او اخرى.. حالة نادرة ان نحظى بناقد فني كلف نفسه عناء الذهاب الى دور العرض والمسارح والحفلات الجادة، واذا حصل ان ذهب أحدهم، فإنما لالتقاط خبر من هنا او هناك لجعله مادة لشائعة ما، تثير خلافاً بين مطرب وآخر، او ممثل وزميله، وحالات كثيرة شاهدناها على هذا النمط، وهو ما يمكن ان نصفه بالصحافة الصفراء التي لا تعتمد إلا على مادة الاثارة والفضائح من دون احترام لخصوصيات اي فنان..
ومن غرائب هذه "الساحة النقدية" ان ابطالها، يلبّون دعوات الموائد من هذا النجم او ذاك، فإذا ما أكرمهم جيداً جعلوه اسطورة، واذا لم يعجبهم، او لم يعجب احدهم على الأقل، فالويل له.
وغالباً ما يستغل هؤلاء "النقاد" تلك الموائد او جلسات المقاهي للنميمة والعزف على اوتار بث الشائعات والفتن.. وذلك ليس إلا للحصول على "سبق صحافي" هو في الواقع من صنع بنات أفكارهم، او على الأقل في معظم الأحيان.
وختاماً، يستحضرنا هنا قول أحد الزملاء الجادين ان الناقد يكتب وفقاً لحالته النفسية، ووضعه في المنزل,او حتى وفقاً لما يكون قد أكل من الطعام قبل الكتابة.. فإذا كان قد استيقظ صباحاً مرتاح البال، يكتب عن أي فنان أو أي عمل فني مطلوب، كتابة جيدة، واذا تشاجر مع زوجته قبل ذهابه الى العمل، فويل لاول فنان أو عمل فني يقع تحت "مشرحته النقدية".. هذا هو حال النقد؟!