Jan. 31, 2024, 8 a.m.
يهربون من عصف نسائهم على البر فتتلقفهم العواصف في البحر، تشفّياً لا حباً كان البحارة البريطانيون يطلقون على العواصف التي تواجههم أسماء زوجاتهم أو بناتهم...خبرية يتناقلها البعض بخبث، لكنّ المختصين يؤكدون أن خبراء الأرصاد الجوية أول من أطلق الأسماء على العواصف لتسهيل تحذير السفن منها وتبادل المعلومات عنها بين المحطات الجوية. في العالم نظام تسمية العواصف والأعاصير يخضع لقواعد معروفة وفق تقسيم المناطق المناخية، لكن ماذا عن لبنان من يضع أسماء عواصفنا؟ وكيف يختارها؟
في لبنان نختلف على كل شيء لكننا نتوحد حول إسم العاصفة المرتقبة. أحد لا يفكر برفض الاسم المطروح أو الذهاب نحو خيار ثالث أو الإصرار على ستة وستة مكرر. أسماء أجنبية لعواصف محلية، نسائية بالإجمال، لكنها اثارت الاعتراضات مؤخراً: لمَ لا تكون عواصفنا محلية التسمية؟ ممّ تشكو الأسماء العربية الجميلة؟ وحتى في العواصف هل «كل فرنجي برنجي؟»، وأيضاً لماذ تحتكر النساء أسماء العواصف فيما عندنا من الرجال ما يكفي بتصريح أو خطاب منه ليثير أعتى العواصف؟ أسئلة واعتراضات حملناها الى مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت لنعرف جواباً لها مع توسع في الحديث عن تغيّر الأحوال المناخية في لبنان.
عايشة، جوسلين وغريتا أسماء العواصف التي أطلقها مؤخراً مكتب الطقس في بريطانيا على العواصف المرتقبة هناك حيث يتم اختيار الإسم إما تيمناً بمرجعية علمية نسائية أو وفق اختيارات الجمهور التي تُجمع ضمن لائحة مختصرة من الأسماء. وكانت الولايات المتحدة أول من اعتمد رسمياً نظام تسمية الأعاصير الإستوائية والمدارية منذ العام 1950. وكانت «أليس» باكورة العواصف التي تحمل إسماً نسائياً في العام 1953، ولم تنتصر المساواة بين الجنسين إلا بدءاً من العام 1979 حيث كان «بوب» أول صبي في عائلة العواصف... عندنا بدأت تسمية العواصف في العام 2015 وفق ما يقول لـ»نداء الوطن» محمد كنج رئيس قسم التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية في المطار. وأعدت لائحة من قبل مصلحة الأرصاد بأسماء نسائية وفق الترتيب الأبجدي بدءاً من الحرف Z وكانت « زينة» اول الغيث وقبلها نانسي أتت بالغلط من خارج اللائحة...ومع ارتفاع بعض الاعتراضات بدأ تطعيم أسماء العواصف بأسماء عربية واسماء للذكور فمرّ «كريم» ومرّت «ياسمينا» و «هبة» وحالياً «حيان المذكّر» الذي فرْنَجه البعض واسموه « يوهان» يخلف « دانييلا الأنثى» ويتوقع أن يكون أقسى منها ويشهد رياحاً قوية وتدنيا لتساقط للثلوج...
عاصفة أم «عيانة»؟
العواصف التي يطلق عليها اليوم اسماء تتردد في وسائل الإعلام وأحاديث الناس كانت في الماضي تسمى «عيانة» وهي حدث شتوي لا يدعو للهلع يترقب القرويون قدومه في محطات شبه ثابتة، فيه تتساقط أمطار غزيرة وتهب رياح وينزل الثلج الى ارتفاعات منخفضة وقد يلامس الشاطئ. هذه التلجة القوية او «العيانة» كانت تحمل أسماء المحطات الدينية التي تحل فيها أو
حولها مثل «عيانة «مار مطانيوس»
في 17 كانون الثاني أو عيانة «مار فرام» في 28 من الشهر نفسه وصولاً الى عيانة «مار مارون» في العشرية الأولى من شباط...وقبلها كان يمكن أن تأتي عيانة «الدايم دايم» أو الغطاس حيث يعرف القريون أن «من المولود للمعمود بتوقف المي عامود» ويتساقط المطر غزيراً بلا توقف.
أرشفة وتحذير
تطلق الأسماء على العواصف لتسهيل أرشفتها، يؤكد كنج، وتسهيل البحث عنها في ما بعد عبر محركات البحث مثل غوغل وغيره. ولا يطلق اسم على العاصفة إلا إذا كان متوقعاً أن تعيق الحياة الطبيعية للناس وفق أربعة معايير وهي: عصف الهواء، تدني درجات الحرارة
، امتداد العاصفة لـ 48 ساعة أو أكثر وغزارة متساقطاتها. تعتمد معظم الدول، لا كلّها، تسمية للعواصف وقد يأخد بعضها الإسم عن سواه حيث يتم اعتماد الإسم الذي اطلق اولاً لا سيما إذا كانت العاصفة ستصيب مجموعة من الدول. في منطقتنا العربية لبنان وسوريا هما الأكثر عرضة للعواصف التي تقل حدتها كلما اتجهنا جنوباً لذا غالباً ما يتم اعتماد التسمية التي يطلقها لبنان على العاصفة من قبل البلدان المجاورة، ومرة تمت تسمية العاصفة في الأردن باسم « هدى».
ويندي « أولغا» و «نورما» كانت من بين أقوى العواصف التي ضربت لبنان لكن « فرح» التي زارتنا في اول شباط من العام 2023 كانت الأطول مدة وكادت تشكل ظاهرة مناخية و»زينة» التي ضربت لبنان في بداية كانون الثاني العام 2015 شهدت تدنّياً للثلوج وتساقطاً كثيفاً للأمطاروعطلت الحياة في لبنان والبلدان العربية المجاورة واعتبرت الأقوى بعد العاصفة العاتية النادرة التي ضربت المنطقة في أواخر شباط العام 1992. ولا ينسى طلاب لبنان العاصفة «ويندي» السعيدة الذكر التي أبقتهم في المنازل بعد تساقط ثلوجها على مستويات متدنية.
ظواهر غير طبيعية
أسماء العواصف لا تقدم ولا تؤخر في قوتها لكنها قد تجذب انتباه الناس أكثر الى التحذيرات من المخاطر التي قد تحملها العاصفة. نسأل كنج عما إذا كانت العاصفة دانييلا التي شهدناها الأسبوع الماضي أشد من سواها مع ما سببته من سيول وفيضانات وانزلاقات للتربة فيجيب ان لبنان معتاد على هذا النوع من العواصف في فصل الشتاء. فالشتاء عندنا 90 يوماً يقسم الى مربعانيتين الأولى من 20 كانون الأول الى 30 كانون الثاني وتشهد عادة أمطاراً كثيفة وتدنياً مقبولاً في الحرارة، لتأتي المربعانية الثانية الممتدة بين شباط وآذار لتشهد ثلوجاً وتدنياً اشد في الحرارة وتساقطاً للأمطار.
يقول كنج: «هذه السنة وحتى اليوم نكون قد سكّرنا معدلات الأمطار السنوية التي تتساقط عادةً من أيلول الى آب... في طرابلس مثلاً تخطينا 815 ملم في حين المعدل السنوي 820 ملم ولا يزال أمامنا أشهر شباط وآذار ونيسان. هي سنة استثنائية في كمية الامطار، أما السبب في ذلك فمرتفع جوي عملاق يسيطر على شمال أفريقيا وغرب اوروبا. فإسبانيا مثلاً كسرت هذا الشتاء مئة رقم قياسي حيث وصلت الحرارة في كانون الثاني الى 30،7 درجات مئوية. لذا تحركت الكتل الهوائية الباردة كلها وبكل قوتها نحو شرق أوروبا ونزولاً الى تركيا ومصر وسوريا ولبنان. ويتوقع أن يشهد لبنان مع عاصفة «حيان « سرعة رياح تصل الى 90 كلم في الساعة وتدنياً كبيراً في درجات الحرارة لا سيما مع بلوغ الثلوج الألف متر أو أقلّ...».
نسال إذا كان التغير المناخي هو سبب تزايد كميات الأمطار التي نشهدها مؤخراً والتي ترافقها سيول كتلك التي شهدناها في المطار وفي أمكنة مختلفة من لبنان؟ يقول الاختصاصي إننا انتقلنا من مرحلة الاحتباس الحراري الى مرحلة الإحترار وهي مرحلة متقدمة عن سابقتها وذلك وفق تقييم أنطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة. في هذه المرحلة ارتفعت حرارة مياه البحر المتوسط وتخطت حرارة سطحها 29 درجة مئوية ما خلق كمية مرتفعة من الرطوبة فوق المتوسط ونتيجة نزولات باردة من أوروبا شهدنا تساقطاً شديداً للأمطار. وغالباً ما تحدث السيول حين تكون حرارة الجو لا تزال مرتفعة فتصطدم الكتلة الباردة بالكتلة الدافئة فتتساقط أمطار غزيرة بفترة قصيرة وهو ما حصل في المطار في بدايات شهر كانون الأول. وخلال الفترة السابقة في لبنان كان الثلج لا يزال على ارتفاع 1800 متر تقريباً وحرارة الجو لا تزال مرتفعة ما سبب تساقطاً شديداً للأمطار وتكوّناً للسيول ولكن مع انخفاض درجات الحرارة تصبح المتساقطات أقل وكذلك احتمال تشكل السيول.
بين دانييلا و دانيال...
للخبثاء الذين تسعدهم أسماء العواصف النسائية نود أن نذكرهم بالإعصار «دانيال» المدمر الذي أصاب شمال ليبيا وتسبب بمقتل ما يزيد عن 5000 شخص
وإصابة 7000 شخص إضافة الى آلاف من المفقودين ودمار شبه كلي في مدينة درنة الليبية بعد انهيار السدود القريبة منها وغرقها تحت السيول المتدفقة التي جرفت ما يقارب 90000 متر مربع من الأراضي سببت اضراراً بأكثر من ثلاثة ملايين متر مربع. ولا يمكن
مقارنة أضرار «دانيال» بما سببته «دانيالا» من أضرار في لبنان رغم قساوتها. ويشرح كنج أنه من النادر أن تتشكل أعاصير في منطقة البحر الأبيض المتوسط لكن الظروف المناخية والاحترار ساهما في تكون عاصفة فوق تركيا واليونان رافقتها حالة من عدم الاستقرار أدت في شهر أيلول الى حدوث فيضانات في كل من تركيا واليونان. ومع بقاء العاصفة فوق المتوسط لمدة يومين تشبّعت برطوبة البحر الذي كانت درجة حرارة سطحه مرتفعة ومع مرور العاصفة انخفضت درجة حرارة المياه فتحولت العاصفة الى إعصار وتساقطت الأمطار بقوة. لكن ما سبب الكارثة في درنة هو انهيار السدود غير المهيأة لتحمل كميات أمطار أكثر من المعتاد ففاض حوض النهر وجرف المدينة التي تبعد عنه كيلومترات عديدة.
هذا الإعصار الذي يعرف باسم Medicane او إعصارالمتوسط نادر الحدوث في العادة لكن للأسف يمكن أن يحدث على سواحلنا خاصة حين يحدث فرق حراري كبير بين الكتل الهوائية الباردة والدافئة. ونمط الأمطار المتطرف هذا يمكن أن نشهده في الخريف أو الربيع حين تكون الحرارة غير مستقرة أما في الشتاء فتستقر الحرارة وتقل غزارة الأمطار.
نسأل أيضاً عن شاهوق المياه الذي رأيناه الأسبوع الماضي في منطقة الدامور فيقول كنج إنه حصل نتيجة العاصفة دانييلا حيث اصطدمت الكتلة الباردة الداخلة علينا بالكتلة الدافئة نسبياً التي كانت سائدة في لبنان فتسبب بتشكل عامود من الرطوبة.
هل يمكن طمأنة اللبنانيين الى أن «حيان» ستكون العاصفة الأخيرة لهذا الشتاء؟ في الحقيقة لا أحد يمكنه أن يتكهن كم عاصفة يمكن أن تحدث في الموسم الواحد أو ماذا يخبئ الطقس لنا. ولكن في حين لم يشهد لبنان السنة الماضية إلأ عاصفة واحدة فإن 2024 تبدو ناشطة مناخياً لتنافس العواصف العسكرية والسياسية والمالية التي يشهدها لبنان.